رئيس التحرير: عادل صبري 07:24 صباحاً | الأحد 06 يوليو 2025 م | 10 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

الدين والفيزياء.. ثالث التساؤلات الوجودية

الدين والفيزياء.. ثالث التساؤلات الوجودية
14 مارس 2017

الدين والفيزياء.. ثالث التساؤلات الوجودية

عبدالناصر توفيق

الدين والفيزياء.. ثالث التساؤلات الوجودية

 

الدين يُسَوق لمُتبعيه أن الحياة الدنيا ما هي إلا مرحلة انتقالية (تافهة ومن هنا جاء اسم "الدُنيا") لنَيْل الجزاء الأكبر فى الآخرة, حيث الحياة الأبدية. الدين بهذا يَعِد الناس النعيم أو الشقاء فى الآخرة الباقية بِناءا ما جَنَته أو إقْترفته أيديهم فى حيواتهم الدنيا الراهنة. إذن تتقلب البشرية ومنذ الأزل بين ثنائية العقاب والجزاء, وبين الرجاء فى الخلاص فى الآخرة. الفيزياء كسيدة العًلوم ليس لديها البتة ما تقوله فى هذا المضمار. فالحياة الآخرة بالنسبة للفيزياء ليست تَحَولا فى الطُور أو مُجَرد تَغَيرا حتي ولو كان جذريا فى التناغمية Symmetry أو قلبا للديناميكيات المعتمدة Dynamics. إنها بالنسبة الى الفيزياء حالة تفردية Singularity تصف عالما لا يصح فيه تطبيق ما توصلنا إليه من معارف أو قوانينا علمية. أي أنا عند الحديث عن الآخرة لن تفيدنا الفيزياء فى شيئ. فقط الدين هو الذي يتصدي لذلك.

 

المستقبل فى نظر الفيزياء ليس صندوقا أسودا. فلدينا من الآليات العلمية ما تمكننا من التنبؤ به وبدقة عالية. حتى أن البعض يري فى الفيزيائيين النظريين أنبياءا يخبرونا عن توقعاتهم المستقبلية بدقة تفوق أية محاولة من أية فئة أخري سواء علمية أو لاهوتية. ونحن لا نتحدث هنا عن المنجمين, أو عن قارئي الفنجان, أو عن مستبصري البللورات أو غيرهم من الدجالين والسحرة. نحن نتحدث فقط عن رجالات العلم ورجالات الدين.

 

علي سبيل المثال العلماء والخبراء الماليون والإقتصادييون ورجالات البورصة والمال وعلي الرغم من خبراتهم وأدواتهم الكثيرة لا يمكننا الإعتماد على توقعاتهم حتى للساعات القليلة القادمة. وإلا لما عايشنا كوارثا مالية أطاحت بكبريات الإقتصاديات العالمية وأدت إلي أنهيارات كارثية فى كبريات البورصات المالية والسلعية. إن التلاعب بالأسواق المالية, وإن التأثير على المؤسسات المالية, وإن الكوارث الإقتصادية التي عايشناها مؤخرا لا تخبر غير شيئ سوي أن التوقع أو التنبؤ لم دقيقا. ففي هذا المجال الحساس يبدو أن المستقبل ليس دائما قابلا للتوقع. 

 

أيضا علماء الأحياء, وخبراء الجينات الوراثية, والدارسون لتطور الأنواع - كمثال آخر - لا يستطيع أي منهم أن يخبرك بتوقعات تصف مستقبل صنف ما, أو عن ألية تحول المورثات في الجيل التالي, أو فيما يصف كيفية تطور نوع حيوي مهما كان بسيطا. والسبب هو أن علم الأحياء لاتزال تواجهه معضلات كبري, لم يستطع بعد حلها.

 

لنأخذ على سبيل المثال الظاهرة التي يعرفها القاصي والداني وهو أن هناك سلسلة غذائية لا متناهية تشترك فيها كل الأصناف الحية وغير الحية. فالنباتات والحيوانات تتغذي على بعضها البعض وتستهلك أيضا من الجماديات ما لا نعرف حكمة له بعد. إن آلية القتل التي تعتمدها الكائنات ليست مجرد مظهر لسلوك توحشي تمت برمجة الطبيعة عليه. لو أنا فطنا إليها وفكرنا فيها بإمعان لأدركنا أنها الطريقة الوحيدة لازدهار الحياة فيجب على علم الأحياء أن يشرح لنا تلك الطريقة أولا قبل أن نقحمه في تنبؤات مستقبلية.

 

فأنا كفيزيائي لأ أستطيع فهم نشوء الحياء إلا أنها لابد وقد بزغت من أبسط صورة حية, أي من شيئ ما بسيط بساطة وحيدة خلية. لكن السؤال الكبير الآن هو كيف لوحيدة الخلية هذه أن تتحول إلي الكائنات الكبري ومنها الإنسان فائق الذكاء؟ أنا لا أري آلية غير دمج وخلط وإعادة تدوير المورثات. هذه الآلية لا تشمل فقط الكائنات الحية بل تراب الأرض أيضا. فى رأيي المتواضع لن يتم ذلك إلا من خلال ما نراه فى البرية من أن الكائنات تتغذي على بعضها البعض وعلى جمادياتها أيضا. السلسلة الغذائية ليست فقط تهدف لإستخلاص المكونات الغذائية بل يحتوي أيضا أن آليات تدمج, وتخلط, وتعيد تدوير المورثات الحيوية, وبهذه الآلية تزدهر الحياة.

 

الفيزيائيون يحتلون القمة كعلماء يمتلكون من الأليات ما يجعلهم يتنبؤون بمستقبل كل شيئ وبدقة لا ينافسهم فيها منافس. مستقبل الأسواق المالية, والأليات التي تقيس المخاطر فى البورصات العالمية لن تتم بدقة كما قد يفعل الفيزيائييون إن تمت الإستعانة بهم. والحقيقة هي أن البنوك والمؤسسات المالية الكبري لم ينقذها من هذه المخاطر الجمة إلا أنها عملت علي توظيف خبراء درسوا الفيزياء أولا, وبرزوا فيه ثانيا, وأبدعوا لها ثالثا.

 

وأيضا الدراسات الكبري مثل تلك التي تهدف لفهم الطريقة التي نشأت وتطورت بها الحياة على كوكب الأرض لن يتم إنجازها إلا إذا تمت بمشاركة فعالة لعلماء الفيزياء. لن يستطيع البيولوجيون بمفردهم فهم فلسفة "القتل" التي تقوم عليها حياة الكائنات الحية.

 

لكن تلك القدرة الخارقة للفيزياء على سبر أغوار المستقبل تتوقف عند حدود "الحياة الدنيا", وذلك على إعتبار أن الحياة الدنيا هي "عمر الكون". فقط تحت هذا السقف الزمني الذي يحدد صلاحية القوانين الفيزيائية يمكننا أن نعتمد على الفيزياء. فيما وراء ذلك لن نستطيع ذلك أبدا أن تنطق ببنت شفة. فما وراء ذلك ما هو إلا الحياة الأخري, أو هكذا نعتقد ويعتقد المؤمنون.

فهي - أي الحياة الأخري - بالنسبة للفيزياء ليست مجرد تحول فى الطور, أو مجرد تغيرا - حتي ولو كان جذريا - فى التناغمية Symmetry أو قلبا للديناميكيات المعتمدة Dynamics رأسا على عقب. إنها بالنسبة الى الفيزياء حالة راديكالية تسمي بالتفردية Singularity . وكما فى علم الرياضيات فإنه في مثل تلك الحالة لن تصبح المعادلة أو الكمية الرياضية متصلة. أي أن المعادلة أو الكمية الرياضية قبلها لن تكون هي هي بعدها. فى الحقيقة ستصبح المعادلة أو الكمية الرياضية غير مٌعَرَفة بالمرة. وعليه فالحياة الأخري ما هي إلا عَالَم لا يَصْلح فيه أن نطبق المعَارف أو القوانين العلمية التي تَوَصلنا إليها.

 

المقاييس التي نعرفها والتي تُؤشر للمستقبل تحتوي علي العديد من الكميات الفيزيائية. أشهرها على الإطلاق الإنتروبية Entropy. والإنتروبية كما يحددها القانون الثاني للديناميكا الحرارية كمية مُوجبة ودَائمة التَزَايد. وعليه يقال أنها هي من تحدد إتجاه سهم الزمن. شرح معني وتوضيح مدلول هذه الكمية قد يطول وقد يصعب على الكثيرين استيعابه.

 

الإنتروبية تقيس الكثير مما قد لا نستطيع حصره. فهي تصف تراتبية أو عشوائية نظام ما. وتقيس أيضا مدي أدراكنا أو حدود علمنا بنظام فيزيائي معين (أو بالأحري مدي جهلنا به). و أيضا تحصي عدد المستويات أو الحالات الدقيقة التي يتكون من النظام طَوْر الدراسة. وأيضا تربط بين تلك المستويات وبين الحالات الديناميكية التي تصف النظام. وكما أنها تعطي تقييما لمعظم الكميات التي نعرفها فى الديناميكا الحرارية وتربط بين بعضها البعض.  هذا على الأقل من وجه نظر بولتزمان Boltzmann Statistics.

 

منذ نهاية الثمانينيات أضيفت إلي فهمنا لمصطلح الإنتروبية العديد من التحسينات. فأصبحنا نعرف إنتروبية تساليس Tsallis Statistics, والتي تُفَرِق بين الحالات الدقيقة والحالات الكبري للنظام قَيْد الدراسة. هذا النوع الجديد من الإنتروبية يصف العديد من الانظمة ومنها تلك الغير متزنة Nonequilibrium. ولهذا فله أهمية كبري فى الدراسات الفيزيائية المتطورة.

كما وأن هذا المفهوم قد لقي مؤخرا تطورات أوسع وأكبر جعلت من تقريبي بولتزمان وتساليس مجرد حالات خاصة فى محيط أكبر وأشمل يجمعهما معا ومع تفسيرات وتقريبات أخري تعرف بال Superstatistics. لكن الإنتروبية بقيت تقدم إشارة لاتغفلها عين – ولابد من أحترامها والتأكيد عليها فى أية دراسة فيزيائية - على أنها تتبع القانون الثاني للديناميكا الحرارية, فهي كمية فيزيائية مركزية دائمة التزايد وبالتالي تحدد الدفق الزمني.  

 

السؤال البديهي الآن هو متي تتوقف الإنتروبية عن التزايد أو بمعني آخر ألما يَصِل سَهْم الزمن؟ يحدث ذلك عندما تصل انتروبية في أي نظام ومنها الكون كله والذي ما هو إلا نظام ديناميكي حراري معزول, الى أقصي قيمة لها. لا يحدث هذا إلا فى النظام الفيزيائي المتزن Equilibrium. ومن المفترض أن مثل هذا النظام لن يتطور من تلقاء ذاته. فلإزاحته عن حالة الإتزان تلك لابد من تفعيل مؤثر خارجي Perturbation. كل هذا ونحن لا نعرف ماهية "تدفق الزمن". إنه مصطلح لا نستطيع دراسته مباشرة. فقط بصورة غير مباشرة نستطيع تفهم هذا الدفق الزمني. إذن السقف الزمني لصلاحية الفيزياء يتحدد بالفترة التي تتزايد فيها الإنتروبية طالما لم يصل النظام لحالة التفرد Singularity.

 

وقد تعرض مفهوم الزمن مؤخرا لتعديلات جذرية. حتي أنا أصبحنا نعتقد إنه إن قدر لهذه المقترحات العلمية أن تثبت صحتها ستنفتح أمامنا آفاق علمية رحبة. فعلي سبيل المثال, هناك نظرية جديدة تقدم تفسيرا لما لم تتناوله نظرية ألبرت أينشتاين للجذب العام الشهيرة Theory of General Relativity. هذه الأخيرة اقترحت أربعة أبعاد فيزيائية, ثلاث منها لوصف الفراغ المكاني, ورابعها للزمن. من خلال التعمق أكثر نلاحظ أن الفراغ أو المكان ليس كمية محفوظة كما يجب أن يكون فى الدراسات الفيزيائية الرصينة.

 

فعلي سبيل عندما يحدث أن يندمج ثقبين أسودين مثل تلك الحالة الشهيرة التي تم رصدها فى يوم 25 سبتمبر 2015 من خلال أمواج التثاقلية LIGO, يحدث أن يزداد الحجم المتاح للثقب الأسود الجديد زيادة ملحوظة. وقد وصل الامر فى الرصد المشار اليه ظأن إزداد الحجمالى عدة ملايين من الكيلومترات المكعبة. السؤال الآن هو: من أين جاء هذا الحجم الهائل؟

 

قدم الزميل ريتشارد ميللر الأستاذ بجامعة كاليفورنيا فى بيركلي نظرية تقول بأن خلق (أو توليد) حجم جديد لابد وأن يستتبعه خلق (أوتوليد) لزمن جديد. هذا الزمن الجديد يطلق عليه "الآن". والنظرية برمتها تسمي "نظرية الآن" The Physics of NOW. فى الرصد المشار إليه تم توليد ما يقرب من "ميللي ثانية" واحدة. 

 

إن دراسة "تدفق الزمن" لم تكن متاحة فى إطار نظرية ألبرت أينشتاين. وذلك علي الرغم من أن الزمن مرتبط دائما بالأبعاد الفراغية وخاصة فى الأنظمة النسبية (ذات السرعات الكبري). هذا الربط فى حد ذاته يمثل معضلة فيزيائية كبري. فكونك تستطيع أن تختار الإطار الذي ترغب فيه Coordinate System, وانك ستبقي موجودا أو قائما في أبعاد مكانية (لا زمانية), يتعارض مع تناظرية الزمكان والتي يجب أن نحافظ عليها في أي عمل علمي نقوم به؟ توجد لحظة يطلق عليها "الآن" ليست موجودة فى الإطار المكاني.

 

ماذا عن "تدفق الزمن"؟ لقد أعتبر ألبرت أينشتاين أن عدم قدرة نظريته على شرح "تدفق الزمن" أو تفسير للزمن "الآني" يمثل فشلا ذريعا. كان هذا إبان حياة أينشتاين. وقد لاحظ ميللر أن العلماء الآخرون ومنهم المحدثون لم يكونوا على ذات الشجاعة التي تحلي بها أينشتاين. فهم عندما يجدون مايزعجهم مثل المعضلة التي أشرنا إليها يحتالون عليها بتوصيفها ب"الوهم", ويتعايشون مع عدم تناسقية الزمكان Spacetime-Asymmetry من غير أن تطرف لهم عين. فلا يزعجهم أن أحدي الأبعاد متناسقة بينما الأخري غير ذلك. الأول (المكان) يتدفق بينما الآخر (الزمن) لا يتدفق. ولهذا نجدهم يصفون تدفق الزمن ب"الوهم", وهكذا يصدح ميللر.

 

إن أمام الفيزياء آفاقا واسعة لتسبرها. فعلي سبيل المثال إن مصطلح الزمن لايزال بحاجة الى دراسات مُعَمَقة. المعارف العلمية الحالية تُعَرف الزمن بصورة غير مُباشرة. فالتغيرات التي تعتري الأنظمة ومنها الديناميكية الحرارية والتي يجب أن تُحَافظ على إنتروبية متزايدة تؤشر ل"تدفق الزمن", تماما مثل معالم الطريق وسرعة مروقها الى الخلف والتي تلاحظها وأنت تنهب الطريق مندفعا للأمام تؤشر لأنك لست ساكنا بل علي العكس أنك مندفع الى الأمام بذات السرعة.

 

ثالث الأسئلة الوجودية يتناول المستقبل. الدين يقدم لنا تنبؤات مستقبلية فى إطار الحياة الدنيا, مثل النمو الحضاري (العلو فى البنيان), ومثل ظهور مؤشرات على نهاية الكون (القيامة), وغيرها الكثير. فى هذا الإطار تبرز الفيزياء كسيدة العلوم بلا منازع. فهي من تتفوق على الجميع فى دقة وشمولية توقعاتها.

 

إن تَشَكل مستقبل البشرية لم يكن حكرا علي الدين وعلي رجالاته. بل علي العكس أصبح هؤلاء تابعين للتطورات العلمية. وقد عاصرنا كيف أن بعض المفاهيم الدينية لابد لها من تعديل كي تتناغم من التطورات الحضارية. وقد يشتط البعض فيرون أن رجال الدين قد فشلوا فى أن يجعلوا من الدين ثقافة يمارسها الناس ممارسة يومية وحياتية.

 

ماذا كان يمنع رجال الدين من أن ينجحوا فى مجرد جعل ثقافة الصدق, والعدل, والنظافة, والأمانة, وغيرها مترسخة فى حيوات المؤمنين بالدين؟ هذا على الرغم أن كل الأديان تشترك فى حزمة أخلاقية كونية, وأن أي جهد فى ديانة معينة ستصب فى مصلحة الأديان الأخري. لكنا علي العكس نلاحظ أن إلتزام الشعوب بها يتفاوت من شعب الى آخر, ومن عصر إلي آخر, إلخ. وعلي الرغم من هذا الفشل الزريع نجد أن تداخلات رجالات الدين لا تنفك تخنق الناس في شؤونهم الشخصية, ولا يتوفقون عند هذا الحد فتجدهم يدسون أنوفهم فى السياسة, ويقحمون مؤسساتهم فى الدسائس, وحتى في الحروب والمكائد التي تبيد طائفة من بني البشر.

 

تم نأتي إلي ظواهر العولمة أو السيطرة الإمبريالية الطاغية, ومنها "الموضة", والتي تقوم على تفوق علمي وتقني لا تغفله عين. شخص ما يقبع في إحدي الدول الإمبريالية "يحدد" لبقية البشر ماذا يرتدون! ألا يدعو هذا لإمعان النظر؟ أيستطيع رجل دين أن يفعل ذات الشيئ أو شبيها به بين أتباعه؟! ألا يعني هذا إنسحاب للتأثيرات الأيديلوجية التقليدية لصالح أيديلوجيات أخري "معاصرة".  أليس هذا فشلا للدين أمام نوع مبتكر من سطوة العلم والتكنولوجيا؟

 

أيضا نحن نعرف أن المعارف الفيزيائية وفلسفاتها قد بدأت تنتشر بين شعوب الأرض بغض النظر عن توجهاتهم الدينية. ونعتقد أن ذلك سيزداد فى المستقبل, وخاصة عندما تدرك غالبية شعوب الأرض للتأثيرات الكونية وللتجاحات الفائقة التي سيصل إليها الفيزيائييون. فكما فى عالم الموضة سنري تأثيرات كونية للتطورات العلمية والهندسية.

 

ألم يكن ل "بيل جيت" تأثير كوني شبه "نَبَوِي" على البشرية قاطبة. ألم يُدْخل هذا الرجل الكمبيوتر الشخصي للبيوت حول الكرة الأرضية؟ ألم يُغَير بذلك ثقافات العمل للناس قاطبة؟ وهل تَمَكن نَبِي ما من الوصول لهذا الكم الهائل من البشر الذين تأثروا ببيل جيت وبكمبيوتراته الشخصية؟

 

ثم ألَمْ يكن للسير بيرنرز لي تأثير كوني "نَبَوِي" هائل لأنه أتاح أمام الجميع الشبكة العنكبوتية WWW؟ وعليه أصبحنا نتشارك فى المعلومات بصورة لم يكن لآبائنا أو لأجدادنا ان يحلموا بها؟ ألم تتغير طريقة تعاطينا مع المكتبات, وأسلوب تناولنا للتسلية, وآلية قضاء المصالح بفضل السير بيرنرز لي؟

 

وبالعودة للحديث عن المستقبل "الدٌنْيَوي", نقول بأن الفيزياء كقاطرة للعلوم الأخري ستزداد قدرتها على تشكيل مستقبل البشرية, وسيتواري التأثير الديني أكثر وأكثر. ونحن نتوقع أن الفيزياء ستزرع الثقافات الأخلاقية, والتي فشل الدين فى ترسيخها بين المؤمنين به, بين كل أفراد البشرية بلا إستثناء. وسنري كيف أن الصدق, والعدل, والنظافة, والأمانة, وغيرها ستصبح ممارسات بشرية لا يستطيع أنسان ما أن يتحلي بخلافها. وقد رأينا كيف أن الفيزياء جعلت من البشر – كل البشر -  مخرجين, ومصورين, ومراسلين صحفيين, وناشطين حقوقيين, باحثين علميين, ومؤلفي لموسوعات, متذوقي فنون رفيعة, ومستهلكين واعين للفنون وللأداب, وعالمين بالقوانين, وغيرها من الأنشطة التي اصبح الإنسان العادي يقوم بها الآن بأريحية كبيرة. ولهذا ستنجح الفيزياء فيما فشل فيه الدين. وهذا هو المستقبل الدنيوي للبشرية.

 

لكن الدين يقف متفردا ولا ينازعه منازع في أنه هو من يخبرنا عن مصائرنا فى الحياة الأخري. ففى المقابل لا تستطيع الفيزياء أن تقول شيئا. ونجد أن الدين يسهب فى الحديث عن يوم الحساب, وعن الجزاء وعن العقاب, وعن الجنة وعن النار, وعن النعيم وعن الحجيم.

 

الفيزياء لا تعرف عن ذلك شيئا. عند هذا الحد ينتهي المدي الذي يمكن للفيزياء أن تصل إليه. عند هذا الحد لا يستطيع العِلم أن يقول شيئا. ذلك الحد الهام يؤطر للحالة المزرية التي يصل إليها ذلك "الغِرْ" الملحد. فعلي الرغم من أنكاره لوجود "خالق" للكون, ستجده يضرع إليه راجيا رحمته إن هو أتته المنية وإن هو أدرك أن الموت أت لا محالة.

 

عند مواجهة الموت سيتساوي العَالِم "المادي" أو حتى "المُلْحِد" أو "المُتَدين" سيتساوون جميعا مع ذلك المتبتل إلي خالقه. كلا الفريقين سيرجو فقط رحمة من ربه. وسينجو إن هو نالها بلطف من الله الخالق الرحيم. كلاهما يدرك مدي "دونية" الحياة الراهنة, ومدي محدوديتها (ذات إنتروبية محدودة). كلاهما سيواجه الحقيقة الكبري ألا وهي أن حياتنا لم تكن إلا "طريقا" يقودنا الى هدف واحد. هناك سنواجه الحقيقة إما "جنة" أو  "نار".   

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية